راتب الموظف لا يؤمن أكثر من 3 أيام غذاء لأسرته

خط أحمر -دانيه الدوس :

ثلاث ملايين ليرة تحتاج الأسرة المكونة من 5 أفراد اليوم ثمن أكل وشرب فقط وهذا الحد المتوسط للحصول على مواد الغذاء الأساسية، بالاعتماد على متوسط أسعار هذه المكونات في الأسواق، بينما تقدر التكلفة المتوسطة للحاجات الضرورية مثل اللباس والمواصلات والتعليم والاتصالات بـ2مليون ليرة شهرياً، أي أن الأسرة بحاجة الى ما يزيد عن 5 ملايين ليرة شهرياً، كما يؤكد المحلل الاقتصادي محمد كوسا، طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار المنحنى المتصاعد للأسعار والمقدر ب15% نجد أن هذا المبلغ متبدل صعوداً.
ولكن السؤال كيف يقوم الموظف اليوم بتدبر أمور بيته والصرف على أسرته وراتبه الخجول لم يتجاوز 250 ألف ليرة، يجيب كوسا: راتب الموظف لا يؤمن له أكثر من 3 أيام غذاء للأسرة فالموظف اليوم قد اعتمد على موارد متعددة قد تصل لأكثر من عمل عند البعض، بينما يعتمد البعض الآخر على المساعدات الاجتماعية، مشيراً الى أنه مهما بلغت تلك الدخول تبقى أدنى بكثير من أن تلبي احتياجات الأسرة.
ورأى كوسا أن الأسرة اليوم بحاجة الى وارد شهري لا يقل عن 10 ملايين ليرة لتحقق عيش مقبول في ظل الظروف الحالية، فالمعيشة في الحدود الدنيا للأفراد، التي تعاني من سوء تغذية وصحة وتعليم وعناية ورعاية اجتماعية، وعندما نضيف المصاريف الشهرية غير الضرورية والملابس والنقل، تصبح المسألة أكثر تعقياً وهنا لم نذكر تكاليف التعليم التي بدأ الكثير من الأسر بمراجعة حساباتهم بشأن أهمية وضرورة التعليم.
فروقات الأسعار استنزفتهم
وأكد كوسا أنه منذ عام أو عامين كان الناس يضطرون للاعتماد على الشراء عن طريق الاقتراض وتحمل كلفة الديون على أمل سدادها بعد مرور أزمة غلاء المعيشة، لكن فترات الانحدار الطويلة في الاقتصاد وموجات التضخم المتتالية أفرغت هذا الحل من محتواه، حيث تظهر الوقائع ان الأسر الأكثر فقراً والمتقاعدين والعازبين أنفقوا جل دخولهم على السلع التي ارتفع سعرها بأعلى من المعدل، أي أن فروقات الأسعار استنزفتهم خاصة أسعار الادوية والوقود وغيرها ما أدى الى ارتفاع معدلات التضخم بالنسبة لهم.
وأشار كوسا الى أن التضخم يعمل على تقليل القوة الشرائية للأفراد، كمية السلع والخدمات التي يمكن شرائها في حدود الدخل المتاح، حيث أن التضخم يمثل ارتفاعاً مستمراً في أسعار السلع والخدمات وقد يؤدي الى خلق العديد من الآثار الاقتصادية تنجم تلك الآثار عن التغير في قيمة النقود، اذ تؤدي الموجات التضخمية الى انخفاض القوة الشرائية لوحدة النقد بنفس نسبة الارتفاع في مستويات الأسعار وهو ما يتضمن التأثير على مستوى معيشة مختلف فئات المجتمع بدرجات متفاوتة وفي اتجاهات مختلفة.

محدودي الدخل والمتقاعدين الأكثر تأثراً
شريحة كبيرة من المجتمع سيؤثر عليها التضخم سلباً ، وخاصة فئة محدودي الدخل وأصحاب الدخول الثابتة والمعاشات التقاعدية الذين ستزداد معاناتهم جراء ارتفاع مستويات الأسعار نظراً لانخفاض مستويات دخولهم الحقيقية، كما يؤكد كوسا، بينما سيؤثر هذا التضخم ايجاباً على فئة قليلة في المجتمع يمثلها المنتجين وأصحاب رؤوس الأموال الذين يحققون أرباحاً مرتفعة نتيجة الموجات التضخمية.
وأضاف كوسا: سيساهم التضخم في إعادة توزيع الدخول واحداث فوارق واضحة بين الطبقات حيث تعد دخول أفراد المجتمع بمختلف فئاته من أكثر المتغيرات الاقتصادية تأثراً بالضغوط التضخمية وهو يؤدي الى تفاقم وتكريس مظاهر الفقر والاقتصاد غير الرسمي واستشراء الفساد وعدم الاستقرار وغيرها من الظواهر المعيقة لعملية التنمية والنمو
ورأى كوسا أن مستويات الدخول للغالبية العظمى من السكان تأثرت بموجات التضخم التي حدثت في الاقتصاد خلال الفترة الماضية والتي فاقمت بعض الظروف المحلية والدولية وبعض القرارات الاقتصادية التي تم تبنيها من حدة التضخم، وقد أدت الحاجة الى تزايد النشاط الاقتصادي واضطراب سلاسل الامداد والارتفاع الحاد في أسعار السلع الأولية معاً الى دفع التضخم الى أعلى مستوياته.
حل مركب ومستدام
ومن الملاحظات اللافتة هو أن الطعام الأرخص الذي يعتمد عليه السكان الأكثر شحاً مالياً هو الأعلى ثمناً في الأسواق بعد حصول موجة من زيادة أسعار الأغذية، كما يؤكد كوسا ومن الإجابات التي تفسر هذه الحالة هي الزيادة المتطرفة في أسعار مدخلات انتاج الأغذية، والهوامش الضيقة للمنتجات الأرخص التي لا تسمح بتغطية التغيرات في أسعار المدخلات.
ويتجلى التضخم بالنسبة لطبقة الدخل الأعلى من السكان كما أكد كوسا من خلال تقليل الادخار أو خفض نوعية الترفيه، وارتفاع أسعار تكاليف النقل والضرائب على المعاملات العقارية وهي العناصر التي تمثل الجزء الأكبر من استهلاكها، بالمقارنة مع الأسر منخفضة الدخل التي تشكل تكاليف الغذاء والسكن العبء الأكبر بالنسبة لها، مشيراً الى الأسر

ذات الدخل الأعلى يمكنها التخفيف

من ارتفاع الاسعار عن طريق التحول الى سلع أرخص، في حين أن الأسر ذوي الدخل المنخفض لا يملكون هذه الخيارات لأنهم يشترون أرخص المنتجات بالأساس.
وحول ما اذا كان يوجد حل لأزمة التضخم أكد كوسا وجود حلول وبرامج يمكن تنفيذها، فالحل مركب ويجب أن يكون مستدام وتقوم به ادرة اقتصادية تمتلك برنامجاً صحيحاً.