دمج الشركات الخاسرة .. متى يكون مفيدا ..؟!

خط أحمر :

من جديد يعود عزف بعض الوزارات على سمفونية دمج المؤسسات ببعضها , وكأن كل تجارب الدمج بين الشركات والمؤسسات أتت بنتائج طيبة ..! هل مبرر ذلك يا ترى توحيد الرؤى والاهداف وتقليل الخسائر سعيا للوصول إلى منتج جيد ذي جودة ومكانة تسويقية , أو لتحقيق عمل اداري ناجح ..؟ أم القصة دوران ومتاهة ودمج الإدارات أو المؤسسات كونها خاسرة ولم تفلح معها كل الجهود والإجراءات لتصويب مسارها ..فدمج الخاسر خاسر ..!!
وزارة الصناعة ترى بالدمج أسلوب حياة وبث الاوكسجين بمؤسساتها وما يتبعها من شركات متعثرة , فأخر ما ارتأت حوله اقتراح دمج المؤسسة العامة للصناعات الغذائية مع مؤسسة السكر , ودمج المؤسسة الكيميائية مع الهندسية .
فعندما تُدمج بعض القطاعات التي تشترك في طبيعة مسؤولياتها المؤسسية ومهامها الوظيفية، فإن ذلك يُعد إنجازا مؤسسيا مهما، لتحسين أداء القطاع وضبطه في جميع أعماله التابعة، لأن تركيز أعمال القطاع في جهة واحدة مسؤولة عن مخرجاته وأعماله وإدارته كفيل برفع كفاءة التشغيل، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمستفيدين باختلاف مجالات أعمالهم أو القطاعات التي تشملهم. كما أنه وسيلة لضبط الحوكمة، والمتابعة الخارجية لأداء القطاع، وفق معايير ومؤشرات سليمة .
تختلف المؤسسات الحكومية والهيئات والوزارات في طبيعة مهامها ومسؤولياتها المنوطة بها، وبذلك نحصد كفاءة تشغيل القطاع، وجودة أدائه وحسن متابعته، والتقييم المستمر لمستوى إنجازه المأمول. كما يسهل حوكمته وتقويمه، بناء على معايير ومؤشرات محددة، تؤطر عملية الأداء والتنفيذ والمتابعة.
هذا من ناحية الشكل والتنظير المستقبلي , ولكن ألا يدعو ذلك للتساؤل المنطقي : هل نجحت تجارب دمج المؤسسات والتي تمت منذ سنوات …؟؟ هل هناك لجان قيمت ما تم يا ترى ووقفت فعليا عما حصل بالمؤسسات المدمجة ..؟ أم القصة طرح من قبل وزير متشجع لتوحيد مسارات العمل وخفض التكاليف الإدارية , إلا أن الواقع يقول بالدمج ماذا استفيد انتاجيا وتسويقيا وتحقيق أي من العوائد ..؟ من خلال ما تم دمجه من مؤسسات إنتاجية واقتصادية وإدارية فالتجربة ليست مشجعة فأي متابع يلحظ مدى التقوقع الإداري الحاصل حالة التخبط الحاصلة , فلا نتائج حصلت ولا مؤشرات تغيرات ..!!
المأمول أن يحقق الدمج فائدة قصوى فمثلا المؤسسة العامة للصناعات الغذائية تضم العديد من الشركات ولكن للأسف عدد قليل منها رابح والبقية خاسرة بامتياز سيتم دمجها مع مؤسسة السكر وهذه الأخيرة لم تحقق أي من مؤشراتها طيلة سنوات ولم تف بالتزاماتها تجاه تأمين مادة السكر وخاصة بعد الابتعاد عن زراعة محصول الشوندر , بمعنى المؤسستين وضعهما الإنتاجي والاقتصادي دون الوسط وهناك شركات خاسرة , فهل بالدمج ستربح المؤسسة المحدثة يا ترى ..؟ فالهدف احداث مؤسسة أم نغير من خطوط الإنتاج ونقويها لنصل الى منتج قوي ..!! والحال أيضا مشابه لواقع المؤسستين الكيميائية والهندسية , من جهة التقارب بالأنشطة فاذا كانت النوايا مقرونة باعتمادات وقرارات جريئة وقوية تجاه صناعة من نوع جديد فالدمج سينجح , أما اذا هدفنا فقط الدمج للتقليل من صرفيات الإدارة وما شابه ذلك , فان لا واقع جيد مأمول ..!!
والسؤال : هل تملك الصناعة كل مقومات نجاح الدمج وتحقيق إنتاجية مشجعة ؟وتملك كل المستلزمات للارتقاء بالأداء المؤسسي للقطاعات المختلفة، وتطوير منتجاتها وخدماتها، بما يخدم تحقيق الاهداف التنموية والتطلعات الإستراتيجية،وتصحيح التنظيمات الهيكلية، وبعدها يلمس المتابع والمهتم منجزاتها الإيجابية المأمولة، والترجمة التطبيقية على أرض الواقع بالمستوى الذي يناسب تحدياتنا التنموية، وما نوجهه من إشكالات مُعلقة.
الجزم مسبقا ليس بالإجمال سليما ,ولكن تترك الإجابة الكاملة لدى الصناعة والحكومة اللتين من المفترض يملكان الإجابة الوافية حيال اقدامهما على دمج المؤسسات الكبرى , إذ يفترض بالحكومة التي أنشأت هذه المؤسسات وعادت لتدمجها أن تمتلك تحليلا كاملا يتضمن إجابات عن كل تلك التساؤلات .
اليوم تعيد الحكومة النظر في هذه المؤسسات والهيئات وتسعى لدمج المتشابهة منها , والهدف هو توفير النفقات , وباتت إيراداتها لا تغطي نفقاتها فتفاقم عجزها على حساب جسم الموازنة الأصلي , لكن أحدا لم يقل أن تأسيس هذه المؤسسات كان خطأ .فنجاح الدمج ليس بالأمر السهل , من باب أن التجربة مجربة ولم تأت بأي نتائج مثمرة .!!